الأحد، 7 نوفمبر 2010

ورقة عمل حول التكامل الاستثمارى العربى

ورقة عمل
حول التكامل الاستثمارى العربى
الآفاق والرؤية المستقبلية
ــــــــــــــــ
اعداد
عبدالنبى عبدالمطلب
خبير اقتصادى مصرى
تقديم
تتناول هذه الورقة آفاق التكامل الاستثمارى والمالى والصناعى بين المشروعات الاقتصادية فى الدول العربية.
كما تحاول هذه الورقة البحث فى إمكانية إيجاد رؤية مشتركة قابلة للتطبيق على كافّة المستويات من أجل تعزيز  قدرة الاقتصادات العربية على التعامل مع الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية،  فى المدى القصير والبعيد، وذلك من خلال وضع  تحديد دقيق وحقيقى للعناصر التي يمكن الاستعانة بها في بناء التوقعات المستقبليّة سواء لأداء القطاعات الاقتصادية أو الاقتصاد الكلى فى الدول العربية، وما يمكن ان يسفر عنه هذا التوجه من تنمية اقتصادية فعالة تدفع المنطقة نحو آفاقا اوسع من التقدم والرفاهية.

أولا: واقع القطاع المالى العربى:_
 لا شكّ أنّ الخسائر المالية التي منيت بها الأسواق المالية والقطاع المالى العربى ككل نتيجة لزلزال الأزمة المالية العالمية كانت قاسية.

فعلى سبيل المثال تشير البيانات الى ان الأسواق الخليجية السبع فقدت حوالي نصف تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ سبتمبر/أيلول 2008 وحتى يونيو/حزيران 2009ولا سيما على صعيد استثمارات صناديق الثروة السيادية (البالغ حجمها حوالي 1.462 تريليون دولار تشكّل حوالي 40% من الحجم الكلّي للصناديق العالمية)، إضافة إلى الأموال المستثمرة في سندات حكومية أمريكية.
وعلى الرغم من أنّه لم يصدر بداية الأزمة أي إخطار حول حجم الخسائر التي منيت بها دول الخليج في هذين الشقيّن، إلاّ أنّ تقديرات لاحقة أشارت إلى أنّ الصناديق السيادية الخليجية خسرت ما بين 450 مليار دولار إلى 600 مليار دولار. أمّا التوظيفات الخليجية في السندات الحكومية الأمريكية فقد خسرت وفقا لـ"سامبا" حولي 5.6 مليار دولار خلال أربع أشهر فقط.
وخسرت البورصة الأردنية في أسبوع واحد خمسة مليارات دولار ، كما قدرت قيمة خسائر سوق المال المصرى بنحو 260 مليار جنيه مصري منذ بداية الأزمة.
ولم تنجح بداية العام 2009 كما يبدو، في كسر الحلقة المفرغة لأداء الأسواق العربية عموما رغم التفاؤل في أن تحقق الأسواق نتائج ايجابية في ظل ما تردد عن قيام الدول الصناعية الكبرى باتخذ العديد من الخطوات المالية والنقدية في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية والانخفاض الحاد في أداء الأسواق.
وعلى الرغم مما نراه من تراجع حدة الازمة المالية والتى لم تعد بالشراسة التي كان عليها نهاية العام 2008 أو بداية العام 2009، إلاّ أنّها لا تزال تعاني من حالة تذبذب. ويرى بعض المستثمرين بأنّ العوامل التي أدّت إلى تراجع المؤشرات من ركود الاقتصاد المحلي والعالمي وانخفاض أرباح الشركات الرئيسية وانعدام الثقة لا تزال موجودة وهو ما يؤدي إلى الإحجام عن المخاطرة، ومن ثم ينعكس الأمر نقصا في السيولة.
فيما يرى البعض الآخر أنه ليس هناك من مراحل جديدة أو صعوبات مستجدة طارئة على الأسواق على اعتبار أنّ المرحلة السابقة شهدت الأسوأ، وأنّ هبوط السوق الحاد خلال الأشهر الأخيرة من العام 2008 وبداية العام 2009 امتص معه كل الأخبار السيئة، وبالتالي لم يعد هناك طريق أمام هذه الأسواق سوى الصعود، أو على الأقل الاستقرار في المرحلة المقبلة.
ثانيا: القطاع المصرفي العربى:
رغم افلاس العديد من البنوك العالمية الكبرى فان المصارف العربية لم تعان من مشاكل في "الملاءة" المالية، فعلى سبيل المثال أكد تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصرى حول أداء الاسواق في ظل الأزمة المالية العالمية أن الأزمة لم تؤثر علي القطاع المصرفي المصري نظرا لالتزام البنوك بقواعد الرقابة الخاصة بالبنك المركزي المصري‏,‏ كما أن السندات الحكومية التي يتم استثمارها في الخارج كانت غير مصرفية وتتمتع بأعلي عائد وأقل مخاطرة ويسهل تحويلها الي نقد‏.‏
إلاّ أنّ التطورات اللاحقة عرضت العديد  من المصارف العربية  لأزمة "سيولة" حيث بدأت تعاني من اضطرابات كبيرة و"شح في السيولة" وذلك على الرغم من التدابير التي سارعت حكومات الدول العربية إلى اتّخاذها في محاولة لوقف المزيد من التدهور ومعالجة المشكلة.
ثالثا: القطاع العقاري العربى:_
على الرغم من أنّ تصريحات المستثمرين في القطاع العقاري العربى كانت تنكر في البداية تأثّر القطاع العقاري بانعكاسات الأزمة المالية العالمية بحجّة أنّ "الاستثمار في القطاع العقاري استثمار آمن عديم المخاطر وفيه ضمان للمستقبل" وهو غير مرتبط بأزمة رهون وقروض كما هو الحال في الولايات المتّحدة، إضافة إلى وجود طلب حقيقي على منتجات القطاع العقاري بمختلف أشكالها في اغلب الدول العربية، فإن الواقع أثبت فيما بعد أنّ كل هذه المواقف لا أساس لها من الصحّة ولا تعكس واقع القطاع الذي كان يمر في حالة تضخّم شديدة منذ فترة ليست بقصيرة،
فعلى سبيل المثال قدّرت المشاريع العمرانية فى دول الخليج فقط بأكثر من 2.4 تريليون دولار مرتبطة بـ 3519 مشروعا مدعومة بفوائض السيولة التي ولدتها ارتفاعات أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى زيادات مبالغ فيها في أسعار العقارات فى هذه الدول واتت الأزمة الاقتصادية وتراجع اسعار النفط  الى كشف عدم مصداقية  ما تردد عن الاستثمار العقارى الآمن.
وشجعت معالم الطفرة الكثيرين على دخول السوق والاستثمار فيها فتحوّل القطاع برمّته إلى فقّاعة كبيرة قبل أن يقع المستثمرون أنفسهم فجأة في الفخ المزدوج لتراجع الأسعار وانعدام السوق الثانوية التي تسمح بتصفية الوحدات التي تم شراؤها سابقاً.
وأدّت الأزمة المالية العالمية إلى الإضرار بالقطاع العقاري في الخليج بشكل كبير جدا، وطالت الانعكاسات السلبية على هذا القطاع إلى إفراز الحقائق التالية:
1.  خسائر شركات وتسريح عمالة: فقد كانت الشركات العقارية السبّاقة إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظّفين وإجراء تقليص كبير في النفقات وشد الأحزمة بسبب الخسائر المالية الضخمة التي تكبّدتها، واحتلّت الشركات العقاريّة الإماراتية سلّم قائمة الخاسرين. وتشير التقديرات المتاحة إلى أنّ الشركات الخليجية استغنت منذ سبتمبر/ أيلول 2008 وحتى فبراير/شباط من العام 2009 عن أكثر من 45 ألف موظف، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 120 ألفا نهاية السنة.
2.  إلغاء وتأجيل مشاريع: وتقدّر قيمة المشاريع الملغاة في المنطقة نتيجة لانعكاسات الأزمة المالية العالمية وفقا لـ (GIH) بأكثر من 150 مليار دولار، معظمها لشركات كبيرة، منها مائة مليار دولار في دبي وحدها. لكن هذا الرقم يرتفع إلى نحو 620 مليار دولار عند احتساب قيمة المشاريع المؤجلة، علما بأن الإمارات تستحوذ على الحصة الأكبر بواقع 582 مليارا، في حين تقل الأرقام بكثير في بقية دول الخليج، التي لم تكن بمستوى شفافية الإمارات في إعلان الأرقام.
3.  انسحاب المستثمرين الأجانب: وتشير البيانات إلى أنّ أقل من خُمس المشتريات العقارية في دبي منذ مطلع عام 2008 كانت لمستثمرين أوروبيين وأميركيين. لكنّ الأزمة دفعت المستثمرين الأجانب إلى مغادرة السوق وتركيز جهودهم على مناطق أخرى يرونها أرخص وأكثر تنافسية مع ترك هذا المجال للمستثمرين المحليّين على الأقل إلى حين تحسن أوضاع الائتمان العالمية أو إلى حين عودة الأسواق إلى منطقية التنبؤ.
رابعا: القطاع النفطي
بعد أن كانت أسعار النفط وصلت إلى مستوى قياسي تاريخي في 11 يوليو/ تموز 2008 حيث وصلت وقتها عتبة الـ 147.3 دولار للبرميل الواحد. وسط جدل حول العوامل التي تدفع الأسعار إلى الصعود باستمرار مع توقعات بأن يسجل سعر برميل النفط المائتي دولار بحلول نهاية العام، انحدرت الأسعار بشكل سريع ومفاجئ إلى ما دون الـ 34 دولارا مع نهاية العام 2008 لتعاود الارتفاع  خلال الفترة الأخيرة  حيث يدور السعر حاليا حول الـ70 دولار.


ولا شك ان هذا الانخفاض قد أدى الى الكثير من الاثار السيئة والتى منها
1- عجز فى الموازنات:
 إذ من شان الأسعار المتدنّية للنفط أن تضع ضغوطات كبيرة على ميزانيات الدول التى تعتمد بشكل اساسى على صادرات النفط ، ( دول الخليج، مصر، ليبيا، الجزائر، وغيرها) خاصة إذا هبطت تحت معدّل السقف الموضوع لها والمقدّر بحوالي 55 دولار للبرميل الواحد. والمشكلة الأساسية هنا تكمن في كيفية المحافظة على معدلات الإنفاق في ظل الضغوط التي ستفرضها أسعار النفط على الموازنات التي ستتحولّ حتما إلى عجز في الوضع الذي نراه اليوم.
2- تراجع في النمو
: ولا شك أنّ انخفاض سعر برميل النفط سيدفع العديد من الدول العربية  إلى ترشيد حجم مصروفاتها وهو ما ينعكس سلبا على معدّل النمو الاقتصادي نتيجة لانكماش القطاعات الاقتصادية، وتراجع الإنفاق، علما أنّ معظم التقديرات تشير الآن إلى أنّ معدلات نسب النمو ستنخفض بشكل كبير طالما بقي النفط في ذلك المستوى، وقد تتغيّر هذه الأرقام اعتمادا على طول فترة الكساد العالمي وأسعار النفط خلال مدّة قصيرة، ولا شك ان اعلان ان معدل النمو المصرى قد بلغ 4.3% هذا العام بعدما كان مستهدفا وصوله الى اكثر من 6% لخير دليل على ذلك.
3- تأثر جهود التنويع الاقتصادي
وعلى الرغم من أنّ كثيرين يعوّلون على جهود التنويع في هذه الفترة كمصدر لتغذية ميزانية الحكومة بعيدا عن النفط، إلاّ أنّ وقائع كثيرة تشير إلى ارتباط جهود التنويع عادة بالأسعار المرتفعة للنفط إضافة إلى النمو الاقتصادي.
4- تدني حصص الاستثمار في القطاع النفطي
وفقا للشركة العربية للاستثمارات البترولية (APICORP)، تحتاج حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى استثمارات تقدّر بقيمة 243 مليار دولار أمريكي لتنفيذ مشاريعها التنموية والتوسعيّة في سلسلة إمدادات النفط والغاز كما تحتاج منها إلى 153 مليار دولار لتنفيذ المشاريع التكميلية. لكنّ الأزمة المالية العالمية ستضطر أصحاب هذه المشاريع من بينهم دول الخليج إلى إعادة النظر فيها وتأخير تنفيذ بعضها والانسحاب من بعضها الآخر خاصة في المشاريع التكميلية.




مستقبل الاقتصادات العربية
محاور للنقاش
أولا: الأسواق المالية

بالنسبة إلى توقعات الأداء المستقبلي للأسواق المالية العربية لا سيما النصف الثاني من 2009 والعام 2010، هناك خمسة مؤشرات رئيسية يمكن البناء عليها نظرا للارتباط الموجود بينها وبين منحى المؤشرات الكليّة للأسواق المالية بدرجة أو أخرى، ومنها:
  • من المتوقع أن يبقى التذبذب في الأداء السمة الأبرز في مؤشرات الأسواق المالية العربية إلى أن يتم استعادة ثقة المستثمرين في الأسواق والتي من الصعب استرجاعها ما لم تكن هناك مؤشرات ايجابية عملية تدعم هذا الاتجاه.
  • أسعار النفط: وهي تلعب دورا مهما في التأثير على أسعار الأسهم خاصة في البورصات الخليجية، وهي لا تؤثر في أرباح الشركات المتداولة المرتبطة مباشرة بالنفط فقط، وإنما أيضا بالشركات الأخرى عبر عامل الإنفاق الحكومي وفي قطاعات مهمة مثل العقار. فزيادة الأسعار من شأنها أن تعطي دفعا إيجابيا للتداولات في أسواق الخليج، في حين أنّ الانخفاض يصعّب المهمة ويقضي على أجواء التفاؤل الحذر.
  • انخفاض أسعار الفائدة والذى قد يساهم ( اذا توافرت عوامل ايجابية اخرى ) الى الدفع  نحو انتعاش الأسواق العربية خاصة اذا اقترن ذلك بانخفاض معدلات التضخم.
  • الوضع الاقتصادي الكليّ: فالأسواق عادة ما تكون مرآة تعكس أداء الاقتصاد الحقيقي، وعليه فهناك علاقة قوية بين الوضع الاقتصادي الإجمالي وبين أداء السوق، وكلما تحسن وضع الأول انعكس على الثاني بشكل ايجابي.
  • تطورات الاقتصاد العالمي: إذا بقي الركود مسيطرا لفترة طويلة سيؤثر سلبا على أداء الأسواق، أضف إلى ذلك أنّ تطورات الاقتصادي الأمريكي الذي يشكّل حوالي 30% من الاقتصاد العالمي سيكون لها وقعها مجتمعة في التأثير على أداء المستثمرين والأسواق حول العالم وفي المنطقة العربية ودول الخليج.
وتلعب كل هذه العوامل مجتمعة دورا كبيرا في تحديد أداء الأسواق العربية في المرحلة المقبلة.

ثانيا: القطاع المصرفي
على الرغم من الخسائر التي تكبدتها والمصاعب التي واجهتها المصارف العربية بصورة عامة، مقارنة بوضع مثيلاتها حول العالم، فإنّها ما زالت ضمن "الوضع السليم"، ومن المتوقع أن تسترجع عافيتها كليّا بل ويتحسّن أداؤها اعتمادا على عدد من المؤشرات منها:
ثالثا: القطاع العقاري
من المتوقع أن يشهد العام 2009 و2010 تقنينا في الحركة العقارية من خلال التوقف عن التوسع المستمر إبان الحقبة الماضية، وإعادة تقييم الجدوى العقارية خلال العام 2009 ويعزز هذا السيناريو:
  • مستوى الإنفاق: والذي انخفض بنسبة ملحوظة نتيجة انخفاض عوائد النفط الأمر الذي شكل ضغطا على انفاق العديد من الحكومات العربية والصناديق السيادية الممول الأساسي للمشاريع لا سيما البنى التحتيّة، ومن غير المتوقع أن يعود ليرتفع بسرعة مما يزيد فرص تأخر المشروعات.
  • مستوى السيولة: تحسن مستوى السيولة في الأسواق المحلية وعودة البنوك إلى الإقراض لهذا القطاع، إلى جانب رفع البنوك المركزية سقوفها المتعلقة بقروض تمويل المشروعات والشركات من شأنه أن يحسن وضع القطاع، ولكن إلى أن تتحقق هذه العناصر وهو الأمر المرجّح في العام 2010 وما بعده، سيبقى وضع العقار مقنّنا.

رابعا: القطاع النفطي
قياسا بحجم الأزمة الاقتصادية العالمية وما خلّفته من انعكاسات ضخمة، فإن سعر برميل النفط من الناحية العملية لا يعتبر متدنّيا رغم الانخفاض الهائل الذي شهده خلالها، لذلك يمكن القول إنّ المستقبل ليس قاتما بالنسبة لدول الخليج التي سيكون عليها الصمود فقط خلال العام 2009، لتكون في وضع جيّد لاستعادة قوتّها التي كانت عليها قبل أن تتعرّض لتداعيات الأزمة المالية العالمية.
ورغم الاختلاف في التقديرات المتوقّعة لأسعار النفط مستقبلا، إلاّ أنّ معظم الخبراء الاقتصاديين يجمعون على أنّ عهد النفط الرخيص قد ولّى وأن الأسعار ستعود إلى الارتفاع من جديد العام 2010، وذلك لأسباب عديدة منها:
1.  تحسّن الوضع الاقتصادي الدولي وانتعاشه وخروجه من دوّامة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أدّت إلى انكماشه لا سيما في أكبر الدول المستهلكة للنفط ومنها أمريكا التي تستهلك لوحدها حوالي 25% من استهلاك العالم من هذه المادة، فضلا عن أوروبا واليابان التين تعتبران ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.
2.  حتمية ارتفاع الطلب على النفط نتيجة للانتعاش الاقتصادي الدولي.
3.  محدودية الإمدادات نظرا لتأخير الاستثمارات في المجال النفطي والتي كان من المقرر أن يتم استخدامها في العام 2009، لكن تمّ تحويلها إلى قطاعات أخرى للحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق