الأربعاء، 4 مايو 2011

صناديق التمويل العربية وتمويل التنمية الاقتصادية



دراسة
حول
دور
صناديق التمويل العربية
فى تمويل التنمية العربية
فى ظل الأزمة المالية العالمية


اعداد
عبدالنبى عبدالمطلب
خبير اقتصادى
وزارة التجارة الخارجية  ـ مصر

يناير 2011











قائمة المحتويات
ـــــ
مقدمة:_
الفصل الأول: الأزمة المالية العالمية، الأسباب وتوقعات المستقبل.
أولا: الأسباب التى قادت الى الأزمة المالية العالمية الراهنة.
ثانيا : الأزمة المالية وتوقعات المستقبل.
الفصل الثانى: صناديق التمويل العربية، النشأة والدور الاقتصادى.
             الصناديق القومية
               اولا: الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى.
أ- أهداف الصندوق.
ب- الهيكل التنظيمى للصندوق.
جـ- النشاط الاقراضى للصندوق.
د – التوزيع القطاعى  لتمويل الصندوق.
هـ – التوزيع الجغرافى  للتمويل التراكمى للصندوق.
ثانيا :_ صندوق النقد العربى.
1 - أهداف الصندوق
2- وسائل تحقيق أهداف الصندوق.
3- القروض والتسهيلات الائتمانية.         
4- صندوق النقد العربى وبرامج التصحيح الهيكلى.
الصناديق القطرية:
   أولا : الصندوق الكويتى للتنمية.
  ثانيا: صندوق أبو ظبى للتنمية.
الفصل الثالث: دور صناديق التمويل العربية فى تمويل التنمية فى الدول العربية.
1- الدور التنموى لصناديق التمويل العربية فى ظل الأزمة المالية العالمية.
2- الاليات المطلوب لقيام صناديق التمويل العربية بدورها المقترح.
3ـ الخاتمة والتوصيات

دراسة حول
صناديق التمويل العربية
فى تمويل التنمية العربية
ـــــــــــ

اعداد
عبدالنبى عبدالمطلب
خبير اقتصادى
مقدمة:_
يشهد العالم حاليا أزمة مالية طاحنة تسببت فى انتشار الخوف والهلع فى كافة البورصات العالمية، ولم تنج من آثار هذه الأزمة اى من أسواق المال سواء فى الدول المتقدمة أو النامية.
ورغم أن العديد من الحكومات قد بادرت بعرض خطط إنقاذ هائلة من أموال دافعي الضرائب، إلا أن ذلك لا يعنى أن انتهاء الأزمة لن يترك أثارا سلبية كبيرة على الاقتصادات العالمية ككل.

ولا شك أن الدول العربية باعتبارها من الدول النامية التى تعتمد أساسا على تصدير النفط أو المواد الأولية وتستورد الغذاء والسلع المصنعة سوف تتأثر تأثرا شديد من هذه الأزمة.

فعلى سبيل المثال سوف يؤدى الانخفاض الحادث فى أسعار البترول إلى انخفاض عوائد الصادرات النفطية، كما من المتوقع أيضا أن تؤدى الأزمة المالية العالمية إلى تقليل المساعدات والقروض والمنح التى تحصل عليها الدول العربية من الاقتصادات الأوروبية والأمريكية مما قد يعرقل خطط التنمية فى الدول العربية المتلقية للمساعدات والقروض الخارجية، خاصة من أوربا  وأمريكا .
أهمية الدراسة:_
تحاول هذه الدراسة البحث عن بدائل وتوسيع دائرة الاختيارات أمام الاقتصادات العربية للتعامل مع الآثار السلبية المتوقعة للأزمة المالية العالمية، خاصة الاقتصادات العربية الفقيرة.
كما تحاول الدراسة ايجاد وسائل اكثر فاعلية للاستفادة من الأموال العربية الموجودة فى الجهاز المصرفى العالمى، والتى قد يلحقها الضرر نتيجة الافلاسات المتوالية للمصارف العالمية الكبرى.

فصول الدراسة:
تنقسم الدراسة الى ثلاثة فصول أساسية هى:_
الفصل الاول: الأزمة المالية العالمية، الأسباب ـ  وتوقعات المستقبل.
الفصل الثانى: صناديق التمويل العربية، النشأة والدور الاقتصادى.
الفصل الثالث: دور صناديق التمويل العربية فى ظل الأزمة المالية العالمية.  
بالإضافة الى الخاتمة والتوصيات .











الفصل الأول
الأزمة المالية العالمية
الأسباب وتوقعات المستقبل
ـــــــــ

أولا: الأسباب التى قادت الى الأزمة المالية العالمية الراهنة:
مع انطلاق العولمة وتفرد النظام الرأسمالي في العالم تقريبا، وتراجع دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص، تمتع القطاع المالى بحرية فائقة فى إدارة شئونه وأصبح الشعار السائد أن السوق له قوانينه وانه قادر على تصحيح نفسه بنفسه دون تدخل.
وأصبحت السياسة تعمل على خدمة الأعمال وتوفير ما تحتاجه باعتبارها الضامن الأساسي لقدرتها على الحكم وتسيير شئون شعوبها.
وأدى ذلك إلى تخفيف القدرات الرقابية على عمل الأسواق المالية ونشاطات المؤسسات المالية في الاقتصادات الرئيسية.
كما سيطرة نظريات السوق على مجريات الامور فى اغلب مواقع الاقتصاد الدولى،  وأصبح الهدف الأساسى لكل عمليات الإصلاح في اقتصادات الدول النامية هو كف يد الدولة وإطلاق يد السوق.
وترسخت قناعة لدى الفاعلين فى الاقتصاد الدولى ان السوق قادة على اصلاح اى خلل يحدث فيها،  وأصبح الاستثمار يتم في مضاربات وعمليات مالية الغرض منها جنى الأرباح دون النظر الى وجود أصول حقيقية يستند إليها هذا الاستثمار، الأمر الذى قاد الى المغالاة الكبيرة فى قيمة الأصول على مستوى العالم وخاصة قيمة الأصول العقارية.
ولم تلق التحذيرات الكثيرة التى أطلقها حكماء الاقتصاد الدولى سواء كانوا افرادا او مؤسسات دولية مثل الأونكتاد وغيرها، اية اهتمام او حتى محاولة للتفكير. فمع نهاية تسعينات القرن الماضى حذر بعض الاقتصاديين من خطورة الارتفاع غير المفهوم للاقتصاد المالى دون ان يقابله اى زيادة معقولة فى الاقتصاد العينى، وكيف ان حجم التعامل فى البورصات العالمية فى عدة ايام يتجاوز حجم التجارة العالمية فى السلع والخدمات فى عام كامل(1).
وقد ادى الايمان بنظرية السوق الى السعى قدما فى ابتكار واختراع اشكال جديدة ومتنوعة من المشتقات المالية بغرض الحصول على اعلى عائد ممكن دون النظر الى ارتفاع نسب المخاطرة فيها.
واستمر هذا النهج حتى بشكل اكثر خطورة فى تمويل القطاع العقارى الأمريكى حتى انفجرت الأزمة المعروفة "بأزمة القروض العالية المخاطر" أو ازمة القروض الثانوية او القروض الثانية فى امريكا.
ويعنى القرض الثانى او الثانوى الاقتراض بضمان اصل تم الاقتراض بضمانه مسبقا. وقد حدث ذلك نتيجة إقدام العديد من المصارف والبنوك الأمريكية على التوسع فى منح قروض لتمويل شراء العقارت لمئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين ذوي الدخل المحدود، متجاهلة بذلك قاعدة الحذر وتقييم المخاطر.
وذلك للاستفادة من النمو غير مسبوق لقطاع العقار وانخفاض نسب الفوائد المعمول بها، الأمر الذي أدى بأعداد كبير من الأمريكيين إلى حد القناعة أن الفرصة جد مواتية لشراء مسكن.

الا ان الارتفاع المفاجئ لنسب الفوائد في الأسواق المصرفية الأمريكية أدى إلى عجز الكثير من هؤلاء المقترضين عن تسديد قروضهم، وزاد عددهم يوما بعد يوم ليخلق جوا من الذعر والهلع في أسواق المال وفي أوساط المستثمرين في قطاع العقار.
وبمجرد ظهور الاضطرابات الأولى، سارعت البنوك إلى مصادرة ممتلكات العاجزين عن تسديد القروض وبيعها فى ظل تراجع حاد لأسعار العقارات مما تسبب فى استفحال الأزمة وافلاس عدد من المؤسسات المالية العالمية.
ولمواجهة تداعيات الأزمة وجدت المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا نفسها مضطرة للتحرك، ولم يبق لها سوى الخيار بين تغيير نسب الفوائد أو ضخ أموال في البنوك المتضررة.
وقد فضل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ( البنك المركزى الامريكى) الخيار الأول، حيث بادر باتخاذ عدة قرارات بخفض أسعار الفائدة ، اذ خفض سعر الفائدة بأكبر نسبة منذ مايزيد عن ربع قرن لتتراوح  بين صفر، وربع فى المائة ( 0.0%،  و0.25%) وذلك منذ كانون الأول/ديسمبر 2008 وذلك بهدف تحفيز النمو ومحاولة لانعاش السوق والخروج من نفق الازمة.
غير أن ذلك لم يقض على القلق من انتشار المصاعب الاقتصادية، وأعلن عدد من الشركات بالفعل عن انخفاض أرباحها، وانتشر مناخ سيئ بالنسبة لأنشطة السوق. بل تفاقم الوضع الى الدرجة التى وصل فيها الى الاعلان عن إفلاس العديد  من بنوك وشركات التأمين فى أوروبا وأمريكا( بداية من اعلان إفلاس بنك ليمان براذرز المصرفية، وشركة ميريل لينش المصرفية فى بداية الأزمة مرورا باعلان إفلاس شركة كرايسلر الأمريكية للسيارات، وتسجيل تباطؤ في الاقتصاد، مع تسريح آلاف العمال في الولايات المتحدة وأوروبا وارتفاع نسب التضخم، وتراجع عدد مناصب الشغل التي يتم إنشاؤها شهريا، مما أثّر في القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المستهلكين فى هذه الدول، الأمر الذى نتج عنه بروز حلقة مفرغة بين تراجع الطلب وارتفاع البطالة والتضخم.
وفى محاولة للوقوف على الأسباب الحقيقية للازمة أشارت تقارير الاونكتاد إلى أنه لولا جشع عدد كبير من العناصر الفاعلة التي حاولت تحقيق عوائد ثنائية الرقم من نظام اقتصادي ينمو نمواً لا يتجاوز النطاق الأدنى من الأرقام الفردية لما انفجرت الأزمة بهذه الحدة، وكان انفجار فقاعة أسعار العقارات في الولايات المتحدة هو السبب وراء الانكشاف المفاجئ للمراكز المضاربية في جميع قطاعات السوق المالية تقريباً.

وأدى رفع الضوابط المالية، جراء الإيمان الإيديولوجي بفضائل السوق، إلى "ابتكار" أدوات مالية لا تمت بصلة للأنشطة الإنتاجية في القطاع الحقيقي للاقتصاد.وتشجع هذه الأدوات أنشطة المضاربة التي تستند إلى معلومات مقنعة في ظاهرها،ولكن لا تعدو كونها في حقيقة الأمر استقراءً للاتجاهات وإسقاطها في المستقبل.
كما ان تعمد عناصر فاعلة كثيرة تتوافر بين أيديها مبالغ مالية كبيرة  (مقترضة في كثير من الأحيان) إلى المراهنة على التطور "المعقول" نفسه  (مثل الارتفاع المطرد لأسعار العقارات أو النفط أو الأسهم والسندات أو العملات) وما دامت وسائط الإعلام والمحللون وواضعو السياسات المزعومون يؤكدون التوقعات فإن المراهنة على استمرار ارتفاع الأسعار أمر يبدو خالياً من المجازفة والهوى(1) . الامر الذى دفع الكثير الى الاقتراض لتمويل الاستثمار العقارى. فى الوقت الذى اقتنعت فيه العديد من المؤسسات المالية بأن هذا الاستثمار آمن.
ومما سبق واستنادا الى ما اتفق عليه غالبية الاقتصاديين  نستطيع ان نجمل الاسباب التى ادت الى حدوث الازمة المالية العالمية فيما يلى :_
1-  قيام المؤسسات المالية والبنوك الأمريكية بالإسراف فى تمويل تملك العقارات دون ضمانات كافية، وفى بعض الاحيان كان القسط المستحق يتجاوز ضعف دخل المقترض.  وتم تشجيع هذه العملية من قبل الحكومة الأمريكية بمقتضى قانون يعود إلى عام  1977 ينص على إمكانية أن تحصل أي مؤسسة مالية على ضمانات لودائعها المالية من الدولة إذا التزمت بالإقراض إلى أسر أمريكية من ذوي الدخل المتواضع.

2-  عدم قدرة المقترضين على سداد التزامات القروض التى حصلوا عليها عند بلوغ أجل الدفع، مما تسبب فى وجود مشاكل كثيرة بين المقترضين والمؤسسات المقرضة لهم .

3-     رفض قطاع كبير من المصارف اقراض المصارف الأخرى خاصة تلك التى عانت من تعثر عملائها ، مما ساهم في بروز أزمة في النشاط المالى. ورغم قيام البنوك المركزية بتقديم مليارات الدولارات كقروض للقطاع المصرفى لتفادى حدوث الأزمة.  فان الوضع ازداد سوءا بسبب انتشار حالة من عدم الثقة فى الجهاز المصرفى بعد الإعلان عن إفلاس بعض البنوك والمؤسسات المالية الكبرى السابق ذكرها.

4-     قيام الوسطاء الماليون ببيع كميات كبيرة من الأسهم والسندات من اجل تأمين السيولة، وهو الأمر الذى ساهم في انخفاض قيمتها، وتأكيد الإحساس بوجود أزمة، وترتب عليه هبوط كبير فى مؤشرات البورصات العالمية الكبرى فى امريكا واوروبا واليابان، وغيرها من دول العالم ومنها الدول العربية.  

5-     أدى عدم وجود نظام دولي تعاوني لإدارة تقلبات أسعار الصرف الى تيسير تفشي المضاربة على العملات وزيادة الاختلالات العالمية. وكما حدث في آسيا قبل سنوات، دفعت المضاربة على العملات وأزمة أسواق الصرف بعدد من البلدان إلى حافة الإعسار وزادت من حدة الأزمة(1).
ويبقى العنصر البشرى السبب الأهم فى حدوث هذه الأزمة واستمرارها واحتماع تكرارها فى المستقبل، فكما اشار خبراء الأونكتاد وغيرهم فالجشع والرغبة فى تكوين الثروات ساهم فى غض الطرف عن الكثير من الممارسات الخاطئة فى النظام المصرفى، بل وصل الأمر الى تجاهل نظم الرقابة على البنوك والمصارف كليا خاصة بنوك الاستثمار والتمويل والرهن العقارى، وغيرها من المؤسسات المالية الأخرى، مما اطلق يد الفساد وعدم تطبيق قواعد الحوكمة والرقابة فيها مما تسبب فى تضخيم قيمة الأصول العقارية بشكل مبالغ فيه حتى انفجرت الفقاعة العقارية.

ثانيا : الأزمة المالية وتوقعات المستقبل:_
غنى عن القول ان الاقتصاد العالمى مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الامريكى. ومن هنا فان انفجار أزمة القروض فى المصارف الأمريكية قد أدى إلى الكشف عن وجود ثغرة كبيرة في مجال المراقبة والإدارة المالية بالقطاع المصرفى الأمريكى. وبدأ الاقتصاديون يتحدثون عن ضرورة وضع آلية لإعادة تقدير وتقييم المخاطر الكامنة في عملية الايداع المالى. وأن العالم أصبح فى حاجة ملحة إلى بناء منظومة نقدية ومالية متعددة العناصر، ونظام مالى عادل ومنصف لا يعتمدان على الولايات المتحدة بمفردها.  يأتى هذا الأمر في الوقت الذي يشهد خلاله قطاع العمالة أسوأ أحواله مع ارتفاع البطالة فى امريكا وأوروبا بنسب  تجاوزت الـ 9%، وهى نسبة مرتفعة جدا لم تشهدها هذه الاقتصادات منذ فترات طويلة.
فقد أشارت العديد من التقارير الى أن المواطنين الأمريكيين شرعوا في ترشيد إنفاقهم، وبات الأمريكيون يجنحون إلى الاقتصاد في النفقات طول السنة. وتشير إحصاءات ومقابلات أجريت على نطاق واسع فى الولايات المتحدة الى أن مبيعات السيارات في تدن وأن حركة السفر الجوي تتراجع وأن المطاعم تعاني من قلة الرواد كما تقل أعداد الزبائن في المحلات التجارية.
وحتى مع بدء الحكومة الأمريكية العمل على تنفيذ خطط ضخمة لانتشال النظام المالي من أزمته, فإن التقارير تؤكد ان ثقة المستهلك الامريكى التى تأثرت بشدة بسبب الأزمة المالية ربما لن تعود إلى سابق عهدها فى الأجل القريب.
ولا تختلف وجهة نظر المؤسسات المالية العالمية كثيرا عن التقارير الصحفية او التحليلات الاقتصادية التى يرددها المواطن العادى، اذ تشير تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين الى المؤشرات التالية:_

ـ يتوقع صندوق النقد الدولى انخفاض النمو العالمى من 5.0% عام 2007 ليصل إلى نحو 4.1% عام 2008، ليواصل انخفاضه إلى 3.9% عام 2009، على امل الانتعاش فى عام 2010 .
ـ يتوقع صندوق النقد الدولى ان يواصل التضخم ارتفاعه في كل من الاقتصادات المتقدمة والصاعدة على السواء، رغم تباطؤ النشاط العالمى .
ـ توقع صندوق النقد الدولى أن يؤدى تفاقم الخسائر إلى تكثيف الضغوط على رأس المال ومضاعفة القيود على توافر الائتمان، كذلك يشكل التضخم مصدرا للقلق المتزايد، قد يتسبب في تقييد استجابة السياسات لتباطؤ النمو.

ـ كما اكد صندوق النقد الدولى على ان اجواء عدم اليقين الاستثنائى مازلت تغلف افاق النشاط الاقتصادى، كما برزت على الساحة الاحتمالات السلبية الناشئة عن أوجه الهشاشة فى المالية العامة. كما ان المخاطر السيادية فى الاقتصادات المتقدمة يمكن ان تتسبب فى تقويض مكاسب الاستقرار المالى وتمديد اجل الأزمة. كما ان التراكم السريع للدين العام وتدهور الميزانيات العمومية المالية يمكن ان يعاودا الانتقال الى النظم المصرفية او عبر الحدود[1].

ـ يتوقع البنك الدولى أن يشهد الاقتصاد العالمي تراجع النمو الى  2.7% في عام 2010 ليرتفع الى 3.2 % عام 2011، وهى ارقام اقل من توقعات صندوق النقد الدولى.
ـ كما تتوقع تقارير البنك الدولى أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي في البلدان الغنية، (الذي تقلص بنسبة 3.3 % في عام 2009) بوتيرة أقل سرعة ـ بواقع 1.8 % عام 2010 ونحو 2.3% عام 2011.  واحتمال نمو حجم التجارة العالمية بنسبة 4.3 % في عام 2010، ونحو 6.2 في % عام 2011، بعد ان هبطت بنسبة 14.4 % في عام 2009.
ويتوقع البنك الدولى أن تؤدى الأزمة المالية إلى سقوط ما يُقدر بنحو 64 مليون شخص في براثن الفقر المدقع على مستوى العالم في عام 2010 (وفقاً لتعريفه للفقر بأنه العيش على أقل من 1.25 دولار أمريكي في اليوم للفرد الواحد).

ـ كما تشير تقارير المنظمات العالمية الأخرى إلى احتمال تقلص الاستهلاك خاصة بعد المشاكل التى ألمت بقطاع الزراعة على مستوى العالم، بسبب الحرائق، وموجات الجفاف والحرارة، والفيضانات، وغيرها من مشاكل التغير المناخى والتى دفعت عدد من الدول الى حظر تصدير الحبوب.

ـ كما تؤكد تقارير المؤسسات الدولية أيضا إلى أن الأوضاع السائدة في الأسواق المالية مازالت صعبة ، وان كانت هناك بعض المؤشرات على تهدئة مخاوف الانهيار المالي بفضل استجابة السياسات القوية في مواجهة الاضطرابات المالية وما أُحْرز من تقدم مشجع في جهود إعادة رسملة البنوك،  إلا أن ذلك لا يمنع أن الأسواق المالية لا تزال هشة تحت تأثير المخاوف من إمكانية الخسائر في مناخ يسوده التباطؤ الاقتصادى العام.

وفى محاولات لتقليل الأثر السلبى لهذه الأزمة على الاقتصاد العالمى طالب الاقتصاديون بضرورة إيجاد أسلوب للوقاية من المخاطر المالية بصورة فعالة، وتوجيه السوق المالية على نحو أفضل يضمن كسر حلقة هبوط أسعار الأصول وتراجع الطلب من ناحية، ويساعد على إنعاش قدرة القطاع المالي على توفير الائتمان للاستثمار المنتج، وحفز النمو الاقتصادي، وتلافي انكماش الأسعار. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي للإصلاح التنظيمي هو استئصال الممارسات المالية المعقدة التي لا يمكن تحقيق عائد اجتماعي منها.
الا اننا نعتقد ان نيران هذه الأزمة لن تنطفئ فى الأجل القريب، فما زال الجشع البشرى يحاول الحصول على مكاسب اضافية من الأزمة، ففى أوروبا تحاول الحكومات اليمينة الاستقطاع من حقوق العمال وإلغاء الكثير من حقوق النقاعد، وانتهاج سياسات تقشفية تضمن تثبيت دخول العمال والموظفين فيها، دون ان تبذل اى جهد فى مجال إصلاح الضرائب وتوزيع الدخل.
واذا كانت الحكومات اليمينية قد كسب جولة الصراع مع نقابات العمال وممثليهم، ونجحت فى تقليم اظافرهم فى تسعينات القرن الماضى، فان الصراع الذى بدأ يظهر حاليا يشير الى استمرار التوتر والقلق على الأقل فى الفترة القادمة.

ولا شك ان هذا التوتر سوف يساهم بشكل او باخر فى هز الثقة بالقطاع المالى العالمى، وتنمية شعور عدم اليقين الذى قد يفضى الى اتخاذ الدول المتقدمة لاجراءات من شأنها  تضيق الأوضاع الائتمانية، وفرض رقابة اكثر على حركة الأموال عبر العالم.
ولا شك هذه التوقعات تنطبق على كافة الدول سواء المتقدمة او النامية، كما ان انطباقها على الدول العربية لا شك فيه. ولا اعتقد ان الفارق سوف يكون كبيرا بين الدول العربية الغنية ( النفطية) والدول العربية الفقيرة. وتعد أزمة ديون شركة دبى القابضة خير دليل على صدق هذه التوقعات.
ومن هنا وكما سبق القول هناك احتمالات قوية إلى حدوث خلل فى الموازين التجارية للعديد من الدول العربية نتيجة انخفاض أسعار صادرات الدول العربية التى تعتمد على صادرات النفط وبعض المواد الخام، إضافة إلى احتمال ارتفاع  أسعار الواردات التى تتمثل فى الغذاء والسلع المصنعة.
كما من المتوقع أيضا أن تؤدى الأزمة المالية العالمية إلى تقليل المساعدات والقروض والمنح التى تحصل عليها الدول العربية من الاقتصادات الأوروبية والأمريكية، ولا شك أن ذلك  سوف يؤثر على برامج التنمية فى الدول العربية المعتمدة على المعونات الخارجية فى تمويل مثل هذه البرامج.

ومن هذا المنطلق فإننا نعتقد ان الاقتصادات العربية مطالبة بالبحث عن مجموعة من البدائل للتعامل مع الآثار السلبية المتوقعة للأزمة المالية على برامج النمو فيها ،ونرى أيضا ان صناديق التمويل العربية يمكن ان تكون بديلا جيدا لتمويل برامج التنمية فى العديد من الاقتصادات العربية حال تعذر الحصول على هذا التمويل من المصادر الدولية.

وفى الفصل التالى سوف نستعرض نشأة صناديق التمويل العربية، ونحاول التعرف على أهدافها ودورها الانمائى.





الفصل الثانى
صناديق التمويل العربية
النشأة والدور الاقتصادى
ـــــــــــ
فى هذا الفصل سوف نحاول الحديث بالتفصيل عن نشأة واهداف الصناديق العربية سواء الصناديق القومية او القطرية.
وقد اخترنا الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى، وصندوق النقد العربى باعتبارهما اهم الصناديق القومية.
ومن الصناديق القطرية عرضنا ببعض التفصيل للصندوق الكويتى للتنمية، وفى عجالة لصندوق ابو ظبى كما سيتضح من السطور التالية. 

الصناديق القومية:_
اولا: الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى
أنشئ الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي كهيئة مالية إقليمية عربية مستقلة مقرها دولة الكويت بموجب اتفاقية إنشائه التى صادق عليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية فى  16/5/1968،ويضم في عضويته البلدان الأعضاء في جامعة الدول العربية.
 وأعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية دخول اتفاقية الصندوق حيز النفاذ فى 18/12/1971، وعقد مجلس محافظى الصندوق اجتماعه الأول في 6/2/1972، وباشر أول عملياته الاقراضية في بداية عام 1974.
ومنذ تأسيس الصندوق وحتى بداية القرن الحالى اقتصر تمويل الصندوق العربى للانماء الاقتصادى والاجتماعى على تمويل المشروعات الاقتصادية ذات الطابع الانمائى التى تنفذها الهيئات والمؤسسات العامة فقط فى الدول الاعضاء.
الا ان تغير المناخ الاقتصادى، وانهيار المعسكر الاشتراكى، وإحكام صندوق النقد والبنك الدوليين السيطرة على مجريات الاقتصاد العالمى، وإطلاق برامج التصحيح والتكيف الهيكلى، والتى اشتهرت باسم الخصخصة، وانتهاج العديد من الدول العربية لهذه السياسات جعل الصندوق العربى للانماء يعيد النظر فى اتفاقية تأسيسة على نحو يخول للصندوق المساهمة فى تمويل مشروعات القطاع الخاص طبقا للقواعد التى يحددها مجلس إدارته. وذلك بموجب القرار رقم (2) الصادر فى 10/5/1997.(1)
وقد بدأ الصندوق مساهماته الفعلية فى مشروعات القطاع الخاص العربية اعتبارا من عام 2001، وبذلك يمكننا ان نحدد اهداف الصندوق العربى طبقا لاخر تعديل فى اتفاقية انشائه حتى الان فى السطور التالية.

أ- أهداف الصندوق:_
تتلخص أهداف الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى وفقا لاتفاقية إنشائه فى الإسهام فى تمويل مشروعات الإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية وذلك من خلال :_

v  تمويل المشروعات الاقتصادية ذات الطابع الاستثماري بقروض ميسرة للحكومات والهيئات والمؤسسات العامة، مع منح الأفضلية للمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي وللمشاريع العربية المشتركة.

v  تمويل مشاريع القطاع الخاص في الدول الأعضاء عن طريق تقديم القروض والضمانات على اختلاف أنواعها للمؤسسات والمنشآت ذات الشخصية الاعتبارية والمساهمة في رؤوس أموالها وتوفير عمليات التمويل الأخرى والخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة لهذه المشاريع.

v  إنشاء أو المساهمة في رؤوس أموال المؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية التي تهدف إلى تنفيذ وتمويل مشاريع القطاع الخاص في الدول الأعضاء .

v  إنشاء وإدارة صناديق خاصة تهدف إلى تحقيق أغراض معينة تتفق وأغراض الصندوق العربي ويتم تمويلها من موارده وأية موارد أخرى، وتحدد وثائق إنشاء تلك الصناديق أغراضها وصلاحياتها وإدارتها والقواعد المنظمة لعملياتها.

v    تشجيع توظيف الأموال العامة والخاصة بطريق مباشر أو غير مباشر بما يكفل تطوير وتنمية الاقتصاد العربي.

v    توفير الخبرات والمعونات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية لمن يطلبها من الدول الأعضاء.  


ب- الهيكل التنظيمى للصندوق:_
                           يتكون الهيكل التنظيمى للصندوق من:_
1- مجلس المحافظين:_ 
يعتبر مجلس المحافظين بمثابة الجمعية العمومية للصندوق وله جميع سلطات الإدارة.
 2- مجلس الإدارة:_
يتكون مجلس إدارة الصندوق من ثمانية مديرين غير متفرغين ينتخبهم مجلس المحافظين لمدة سنتين قابلتين للتجديد.

3ــ المدير العام رئيس مجلس الإدارة:_
يُعين المدير العام من قبل مجلس محافظى الصندوق من غير المحافظين أو نوابهم أو أعضاء مجلس الإدارة أو نوابهم  لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، حيث يتولى المدير العام رئاسة مجلس الإدارة ويعتبر هو الرئيس الأعلى لموظفي الصندوق والمسئول عن جميع الأعمال تحت إشراف مجلس الإدارة ويقوم على تطبيق التنظيمات الفنية والإدارية داخل الصندوق وله حق تعيين وفصل الخبراء والموظفين طبقا لأنظمة الصندوق.

4- لجان الصندوق:_
 وهما لجنتان الأولى لجنة القروض والثانية لجنة الموظفين
وتقوم هاتان اللجنتان  بالأعمال والمهام اللازمة والتي تحددها إدارة الصندوق.

جـ- النشاط الاقراضى للصندوق:_
بدأ الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى مسيرته منذ أواخر النصف الأول من السبعينات واستمر فى تقديم المساعدات والقروض للمشروعات التنموية حتى الآن.

وتشير آخر التقارير المتاحة والصادرة عن الصندوق إلى الاتى:_
_ بلغ صافى عدد القروض التي قدمها الصندوق العربى منذ بدء نشاطه وحتى نهاية عام 2009نحو539 قرضاً، بلغت قيمتها الصافية نحو 18.9 مليار دولار.

ـ بلغت قيمة المسحوبات من هذه القروض نحو 14.8 مليار دولار بنسبة 78.3 % من صافى هذه القروض. وقد ساهمت هذه القروض في تمويل 459 مشروعاً، واستفادت منها 17 دولة عربية كما يتضح من الجدول التالى.


(1) د. ابراهيم العيسوى، الدروس المستفادة من الأزمة الأسيوية، محاضرة القيت فى جمعية الاقتصاد المصرية، فبراير 1998.
(1) الأونكتاد ،الأزمة الاقتصادية العالمية أوجه القصور النظُمية والتدابير العلاجية المتعددة الأطراف، تقرير فرقة عمل أمانة الأونكتاد المعنية بالقضايا النظُمية والتعاون الاقتصادي، موجز تنفيذي، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 2009

(1) الأونكتاد نفس المصدر السابق ذكره.
 (1) صندوق النقد الدولى، افاق الاقتصاد العالمى، ابريل 2010، استعادة توازن النمو، ملخص واف، ص3
(1) الصندوق العربى للانماء الاقتصادى والاجتماعى، السياسات العامة والقواعد الارشادية لعمليات القطاع الخاص وفقا للقرار رقم 44 لسنة 2001

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق